Speech of the Minister Attaf

Sorry, this entry is only available in Arabic.

كلمة وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، السيد أحمد عطاف، خلال الجلسة العلنية الاستثنائية

التي انعقدت اليوم بالمجلس الشعبي الوطني، والتي خصصت لنصرة القضية الفلسطينية، حيث قدم خلالها موقف الجزائر الرافض للعدوان الغاشم ضد الشعب الفلسطيني، مع التأكيد على الموقف الثابت للدولة الجزائرية إزاء القضية الفلسطينية.

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على نبيه الصادق الأمين

السيد الرئيس،

السيدات والسادة النواب،

الحضور الكريم،

1- بعد إذن من السيد رئيس الجمهورية، يشرفني أيما شرف أن أستجيب لدعوتكم وأن أشارك في هذه الجلسة الخاصة التي بادرتم بعقدها كعنوانٍ للتضامن مع أشقائنا وأهلنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا سيما في قطاع غزة المحاصر،

– أشقاؤُنا وأهلنا الفلسطينيون الذين يواجهون عدواناً مكتمل الأركان، لا لشيء إلا لأنهم رفضوا الخنوع والاستكانة للأمر الواقع المفروض عليهم عنوةً وغصباً،

– وأشقاؤُنا وأهلنا الفلسطينيون الذين يكابدون المآسي تلو المآسي، لا لشيء إلا لأنهم لم يرضوا بالتخلي عن أرضهم وعن حقوقهم،

– وأشقاؤُنا وأهلنا الفلسطينيون الذين تُرتكب بحقهم أبشع الجرائم، من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الفصل العنصري وجرائم التنقية العرقية وجرائم الإبادة، لا لشيء إلا لأنهم قالوا لا، لا لوأد القضية الفلسطينية، ولا لهضم الحقوق الوطنية الفلسطينية الشرعية، ولا لإفراغ المشروع الوطني الفلسطيني من مضمونه وفحواه، ولا للقضاء الممنهج على الدولة الفلسطينية.

2- إن ما يطال غزة اليوم من عدوان سافر، وما يطوقها من حصار جائر، وما تتعرض له من سفك الدماء، وزهق الأرواح، ليس وليد أحداث السابع من أكتوبر الجاري.

– فالأكيد والمؤكد أولاً، أن هذا العدوان ليس إلا مرحلةً متقدمةً من مراحل استمرار وتوسع وتفاقم الاحتلال الإسرائيلي، هذا الاحتلال الذي أشهر أحد مسؤوليه، منذ بضع أسابيع، ومن منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، خريطةً تمحو فلسطين تماماً من الوجود، معيداً إلى الحياة مشروع إسرائيل الكبرى.

– والأكيد والمؤكد ثانياً، أن هذا العدوان ليس إلا نتاج الحصانة الممنوحة جوراً وزوراً للاحتلال الإسرائيلي، ودعمه معنوياً وسياسيا وعسكرياً وإعلامياً لاحتلال وضم المزيد من الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات على أشلاء ساكنيها الفلسطينيين الأصليين.

– والأكيد والمؤكد ثالثاً، أن هذا العدوان ما كان ليحصل لولا السجل الدولي الحافل باللامساءلة، واللامحاسبة، واللامعاقبة للاحتلال الاسرائيلي وتجاوزاته، وخروقاته، وعبثه بكل الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية.

– والأكيد والمؤكد رابعاً، أن هذا العدوان ليس إلا محصلة غياب إرادة سياسية دولية صادقة لحل القضية الفلسطينية، هذه القضية التي هُمشت وغُيِّبت، بل وطُمِست، من جدول أعمال المجموعة الدولية طيلة العقدين الماضيين، وهي التي لم تحضَ بأي مبادرة جدية للسلام منذ تسعينيات القرن الماضي.

– والأكيد والمؤكد خامساً وأخيرا، أن هذا العدوان لم يكن ليتحقق لولا تراجع الضغط العربي في خدمة القضية الفلسطينية، وانحسار الدور الدبلوماسي العربي في نصرة الشعب الفلسطيني وفي تأييد مشروع دولته الوطنية في أعقاب آخر مبادرة تم طرحها منذ ما يربو عن عشرين عاماً.

السيد الرئيس،

السيدات والسادة النواب،

3- لا يخفى عليكم، مثلما لا يخفى على العالم بأسره، حجم معاناة الشعب الفلسطيني الشقيق، الذي نقف اليوم وقفة إكبار وإجلال لنحيي صموده وثباته في وجه آلة القتل والخراب والدمار الاسرائيلية التي تُسابق الزمن وتُسابق نفسها لتكبيد الشعب الفلسطيني أفضع المعاناة والمآسي.

4- وأمام وضع كهذا، يحز في نفوسنا ويؤثر فينا أيما تأثر ما تعكسه المواقف الدولية من ازدواجية صارخة في التقديرات والتموقعات والمعايير المطبقة:

– ازدواجيةٌ تُملي على أصحابها المسارعة في إدانةِ المساس بالمستوطنين، وفي ذات الحين غضَّ الطرف عن أشد أشكال التقتيل والقمع والتنكيل التي يتعرض لها أصحاب الأرض الأصليين !

– وازدواجيةٌ تُملي على أصحابها المرافعة عن ما يسمى زوراً وبهتاناً بحق المحتل في الدفاع عن نفسه، وفي ذات الحين تجريدَ الشعب القابع تحت الاحتلال من أبسط الحقوق التي تكفلها له الشرعية الدولية، بما في ذلك حقه في رفض التصفية والفناء !

– وازدواجيةٌ تُملي على أصحابها الدفاع عن مبدأ تحريم ضم الأراضي بالقوة في سياقات مماثلة، وفي ذات الحين إباحة ذات الجرم والتبرير له في فلسطين تحت عنوان مقتضيات الحفاظ على أمن المحتل ورفاهه وطمأنينته !

5- لقد ضاقت شعوب المعمورة التي هبت لنصرة الشعب الفلسطيني من كل حدب وصوب، ذرعاً بهذه المقاربة التي تصدم العقول وتعارض المنطق وتخل بواجب الانصاف، وبهذه المقاربة التي ترفضها جميع الضمائر الحية، وبهذه المقاربة التي تستهجنها أي فطرة سوية.

– أي منطق هذا الذي يبرر لقتل أكثر من ثمانية آلاف مدني فلسطيني، منهم أكثر من ثلاثة آلاف طفل ورضيع ؟

– وأي منطق هذا الذي يبرر لتدمير أكثر من خمسٍ وأربعين بالمائة (45%) من البنايات على رؤوس ساكنيها في قطاع غزة؟

– وأي منطق هذا الذي يبرر لقصف المستشفيات، والمدارس، والمساجد والكنائس، ومقرات الوكالة الأممية لإغاثة اللاجئين؟

– وأي منطق هذا الذي يبرر لتهجير شعب بأكمله من أرضه بالقوة وتحت القصف الجوي خدمةً لأجندة توسعية تهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها ؟

6- لقد قالت الجزائر كلمتها في أكثر من محفل إقليمي ودولي منذ بداية هذا التصعيد، وهي التي تعتبر الدفاع عن القضية الفلسطينية ونصرة أشقائنا المضطهدين في غزة وفي كافة ربوع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وجهاً من أوجه الوفاء لتاريخها الوطني ولمبادئ ثورتها التحريرية المجيدة التي سنحيي غداً ذكراها التاسعة والستين الناصعة.

7- في هذا الإطار، وبتعليمات من السيد رئيس الجمهورية، فقد تجسدت أوجه التضامن الجزائري مع أشقائنا الفلسطينيين على مستويين أساسيين: المستوى الإنساني والمستوى الدبلوماسي.

8- فعلى المستوى الإنساني: ساهمت الجزائر في إغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عبر مساعدات هامة واستعجالية تم نقلها إلى مطار العريش في مصر، عبر جسر جوي مكون من طائرات تابعة للقوات الجوية الجزائرية.

9- وتجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أن المحتل الإسرائيلي لا يزال يعرقل امدادات الإغاثة لسكان غزة، وهو ما يشكل بحد ذاته جريمة حرب وفق ما أكد عليه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مؤخراً. وبالأمس فقط، قدم المفوض السامي لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين إحاطة هامة لمجلس الأمن حول آخر التطورات المسجلة على الصعيد الإنساني، وأقتبس من هذه الإحاطة بعض العبارات التي تحمل الكثير من الدلالات:

– الاقتباس الأول: “إن مستوى الدمار لم يسبق له مثيل، والمأساة الإنسانية التي تتكشف تحت أعيننا لا تطاق”.

– الاقتباس الثاني: “الجوع واليأس في غزة يتحولان إلى غضب جارف ضد المجموعة الدولية”

– الاقتباس الثالث: “لا يوجد مكان آمن في غزة”.

– الاقتباس الرابع: “شعب بأكمله يتم تجريده من إنسانيته”. أنهي الاقتباس وأضع سطراً تحت هذه الجملة الأخيرة التي تصور فعلياً هول المشهد الماثل أمامنا اليوم.

10- وعلى الصعيد الدبلوماسي: تواصل الجزائر مساعيها الحثيثة إقليميا ودوليا لدعم المطالب المستعجلة التي يفرضها الوضع الراهن، والتي تتعلق:

– أولا، بفك الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من ستة عشر عاماً،

– ثانياً، بوقف القصف العشوائي الذي راح ضحيته آلاف الأرواح البريئة

– ثالثاً، بوقف التهجير القسري للسكان

– ورابعاً، بالسماح بإغاثة أهل غزة دون قيود أو شروط.

11- كما شددت الجزائر في جميع الاجتماعات التي شاركت فيها، سواء على مستوى جامعة الدول العربية، أو على مستوى الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن والجمعية العامة، على حتمية معالجة الأسباب الجذرية للصراع برمته، عبر إحياء مسار السلام في الشرق الأوسط والعمل على إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية وتمكين إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف.

12- وفي ذات السياق، تحذر الجزائر ولا تزال من مغبة مواصلة الرهان على الأسوأ، عبر إطفاء شعلة الأمل لدى الشعب الفلسطيني الذي لا تعرف أجياله الحديثة أي شيء عن مسار السلام. فآخر مبادرة للتسوية السلمية تعود لسنة 1998، ومنذ ذلك الحين لم تشهد القضية الفلسطينية أي اهتمام دولي في صورة تحرك يهدف لتحسين أوضاع الشعب الفلسطيني وتمكينه من استرجاع حقوقه كاملة غير منقوصة.

13- وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، منذ أربعة أيام، قراراً يدعو لهدنة إنسانية فورية ويتضمن حداً أدنى من الالتزامات للاستجابة للوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة. غير أن المسؤولية، مسؤولية وقف العدوان الإسرائيلي، ومسؤولية وضع حد لتجبره وتسلطه وطغيانه، ومسؤولية ضمان الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، تقع كاملة على عاتق مجلس الأمن الذي لا يمكنه، بأي حال من الأحوال، وتحت أي ظرف من الظروف، التنصل منها ومن تبعات عجزه عن التحرك لإنهاء هذا الظلم التاريخي الذي طال أمده بحق الشعب الفلسطيني.

14- ومن هذا المنظور، وبصفته صانع القرار السياسي الخارجي والمشرف الأول على تنفيذه، فإن رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، قد حدَّد وشخَّص بدقة وصرامة روافد موقف بلادنا من الحل العادل والشامل والدائم للصراع العربي الإسرائيلي:

– الرافد الأول يتمثل في الاستجابة الفعلية والجادة للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني،

– ويتمثل الرافد الثاني في توحيد الصف الفلسطيني بغية تعزيز موقعه في الأطر الدولية الهادفة لإحلال السلام في الشرق الأوسط وتقوية نفوذه وتأثيره فيها، وكذا إعطاء صلابة أكبر لمرافعاته لصالح مشروعه الوطني ولمطالباته بحقوقه المشروعة.

– ويتمثل الرافد الثالث في ضمان حماية دولية مستعجلة للشعب الفلسطيني في وجه خروقات وتجاوزات الاحتلال الإسرائيلي،

– ويتمثل الرافد الرابع في إقدام الجمعية العامة على منح عضوية كاملة لدولة فلسطين ممهِّدة بذلك الطريق للحل المبني على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة وسيّدة،

– ويتمثل الرافد الخامس في إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط على أساس المبادرة العربية المتبناة في قمة بيروت سنة 2002،

– ويتمثل الرافد السادس في تتويج أي عملية سلام بإقامة دولة فلسطينية على حدود جوان 1967 وعاصمتها القدس الشريف.

– فقناعتنا تبقى راسخة، من أن الوضع الراهن أخطر بكثير من أن يتم التعامل معه دون معالجة التراكمات التاريخية التي أدت إلى تكرار ظهوره عشرات المرات طيلة العقود الماضية،

– وقناعتنا تبقى راسخة، من أن السلام الدائم والمستدام في الشرق الأوسط، لا يمكن أن يتحقق طالما استمر المجتمع الدولي في تجاهل تطلعات الفلسطينيين الشرعية والمشروعة لتحرير أراضيهم المحتلة وإقامة دولتهم المستقلة،

– وقناعتنا تبقى راسخة، من أنه ما من قوة، وما من جبروت يمكن أن ينال من عزيمة الشعب الفلسطيني في استرجاع حقوقه المسلوبة، عزيمة توارثتها أجيال ولدت من رحم المعاناة، وعزيمة صقلتها ورسختها محن الاحتلال، وعزيمة تظل شعلة متقدة تأبى الانطفاء والأفول.

شكراً، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.كلمة وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، السيد أحمد عطاف، خلال الجلسة العلنية الاستثنائية

التي انعقدت اليوم بالمجلس الشعبي الوطني، والتي خصصت لنصرة القضية الفلسطينية، حيث قدم خلالها موقف الجزائر الرافض للعدوان الغاشم ضد الشعب الفلسطيني، مع التأكيد على الموقف الثابت للدولة الجزائرية إزاء القضية الفلسطينية.

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على نبيه الصادق الأمين

السيد الرئيس،

السيدات والسادة النواب،

الحضور الكريم،

1- بعد إذن من السيد رئيس الجمهورية، يشرفني أيما شرف أن أستجيب لدعوتكم وأن أشارك في هذه الجلسة الخاصة التي بادرتم بعقدها كعنوانٍ للتضامن مع أشقائنا وأهلنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا سيما في قطاع غزة المحاصر،

– أشقاؤُنا وأهلنا الفلسطينيون الذين يواجهون عدواناً مكتمل الأركان، لا لشيء إلا لأنهم رفضوا الخنوع والاستكانة للأمر الواقع المفروض عليهم عنوةً وغصباً،

– وأشقاؤُنا وأهلنا الفلسطينيون الذين يكابدون المآسي تلو المآسي، لا لشيء إلا لأنهم لم يرضوا بالتخلي عن أرضهم وعن حقوقهم،

– وأشقاؤُنا وأهلنا الفلسطينيون الذين تُرتكب بحقهم أبشع الجرائم، من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الفصل العنصري وجرائم التنقية العرقية وجرائم الإبادة، لا لشيء إلا لأنهم قالوا لا، لا لوأد القضية الفلسطينية، ولا لهضم الحقوق الوطنية الفلسطينية الشرعية، ولا لإفراغ المشروع الوطني الفلسطيني من مضمونه وفحواه، ولا للقضاء الممنهج على الدولة الفلسطينية.

2- إن ما يطال غزة اليوم من عدوان سافر، وما يطوقها من حصار جائر، وما تتعرض له من سفك الدماء، وزهق الأرواح، ليس وليد أحداث السابع من أكتوبر الجاري.

– فالأكيد والمؤكد أولاً، أن هذا العدوان ليس إلا مرحلةً متقدمةً من مراحل استمرار وتوسع وتفاقم الاحتلال الإسرائيلي، هذا الاحتلال الذي أشهر أحد مسؤوليه، منذ بضع أسابيع، ومن منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، خريطةً تمحو فلسطين تماماً من الوجود، معيداً إلى الحياة مشروع إسرائيل الكبرى.

– والأكيد والمؤكد ثانياً، أن هذا العدوان ليس إلا نتاج الحصانة الممنوحة جوراً وزوراً للاحتلال الإسرائيلي، ودعمه معنوياً وسياسيا وعسكرياً وإعلامياً لاحتلال وضم المزيد من الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات على أشلاء ساكنيها الفلسطينيين الأصليين.

– والأكيد والمؤكد ثالثاً، أن هذا العدوان ما كان ليحصل لولا السجل الدولي الحافل باللامساءلة، واللامحاسبة، واللامعاقبة للاحتلال الاسرائيلي وتجاوزاته، وخروقاته، وعبثه بكل الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية.

– والأكيد والمؤكد رابعاً، أن هذا العدوان ليس إلا محصلة غياب إرادة سياسية دولية صادقة لحل القضية الفلسطينية، هذه القضية التي هُمشت وغُيِّبت، بل وطُمِست، من جدول أعمال المجموعة الدولية طيلة العقدين الماضيين، وهي التي لم تحضَ بأي مبادرة جدية للسلام منذ تسعينيات القرن الماضي.

– والأكيد والمؤكد خامساً وأخيرا، أن هذا العدوان لم يكن ليتحقق لولا تراجع الضغط العربي في خدمة القضية الفلسطينية، وانحسار الدور الدبلوماسي العربي في نصرة الشعب الفلسطيني وفي تأييد مشروع دولته الوطنية في أعقاب آخر مبادرة تم طرحها منذ ما يربو عن عشرين عاماً.

السيد الرئيس،

السيدات والسادة النواب،

3- لا يخفى عليكم، مثلما لا يخفى على العالم بأسره، حجم معاناة الشعب الفلسطيني الشقيق، الذي نقف اليوم وقفة إكبار وإجلال لنحيي صموده وثباته في وجه آلة القتل والخراب والدمار الاسرائيلية التي تُسابق الزمن وتُسابق نفسها لتكبيد الشعب الفلسطيني أفضع المعاناة والمآسي.

4- وأمام وضع كهذا، يحز في نفوسنا ويؤثر فينا أيما تأثر ما تعكسه المواقف الدولية من ازدواجية صارخة في التقديرات والتموقعات والمعايير المطبقة:

– ازدواجيةٌ تُملي على أصحابها المسارعة في إدانةِ المساس بالمستوطنين، وفي ذات الحين غضَّ الطرف عن أشد أشكال التقتيل والقمع والتنكيل التي يتعرض لها أصحاب الأرض الأصليين !

– وازدواجيةٌ تُملي على أصحابها المرافعة عن ما يسمى زوراً وبهتاناً بحق المحتل في الدفاع عن نفسه، وفي ذات الحين تجريدَ الشعب القابع تحت الاحتلال من أبسط الحقوق التي تكفلها له الشرعية الدولية، بما في ذلك حقه في رفض التصفية والفناء !

– وازدواجيةٌ تُملي على أصحابها الدفاع عن مبدأ تحريم ضم الأراضي بالقوة في سياقات مماثلة، وفي ذات الحين إباحة ذات الجرم والتبرير له في فلسطين تحت عنوان مقتضيات الحفاظ على أمن المحتل ورفاهه وطمأنينته !

5- لقد ضاقت شعوب المعمورة التي هبت لنصرة الشعب الفلسطيني من كل حدب وصوب، ذرعاً بهذه المقاربة التي تصدم العقول وتعارض المنطق وتخل بواجب الانصاف، وبهذه المقاربة التي ترفضها جميع الضمائر الحية، وبهذه المقاربة التي تستهجنها أي فطرة سوية.

– أي منطق هذا الذي يبرر لقتل أكثر من ثمانية آلاف مدني فلسطيني، منهم أكثر من ثلاثة آلاف طفل ورضيع ؟

– وأي منطق هذا الذي يبرر لتدمير أكثر من خمسٍ وأربعين بالمائة (45%) من البنايات على رؤوس ساكنيها في قطاع غزة؟

– وأي منطق هذا الذي يبرر لقصف المستشفيات، والمدارس، والمساجد والكنائس، ومقرات الوكالة الأممية لإغاثة اللاجئين؟

– وأي منطق هذا الذي يبرر لتهجير شعب بأكمله من أرضه بالقوة وتحت القصف الجوي خدمةً لأجندة توسعية تهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها ؟

6- لقد قالت الجزائر كلمتها في أكثر من محفل إقليمي ودولي منذ بداية هذا التصعيد، وهي التي تعتبر الدفاع عن القضية الفلسطينية ونصرة أشقائنا المضطهدين في غزة وفي كافة ربوع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وجهاً من أوجه الوفاء لتاريخها الوطني ولمبادئ ثورتها التحريرية المجيدة التي سنحيي غداً ذكراها التاسعة والستين الناصعة.

7- في هذا الإطار، وبتعليمات من السيد رئيس الجمهورية، فقد تجسدت أوجه التضامن الجزائري مع أشقائنا الفلسطينيين على مستويين أساسيين: المستوى الإنساني والمستوى الدبلوماسي.

8- فعلى المستوى الإنساني: ساهمت الجزائر في إغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عبر مساعدات هامة واستعجالية تم نقلها إلى مطار العريش في مصر، عبر جسر جوي مكون من طائرات تابعة للقوات الجوية الجزائرية.

9- وتجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أن المحتل الإسرائيلي لا يزال يعرقل امدادات الإغاثة لسكان غزة، وهو ما يشكل بحد ذاته جريمة حرب وفق ما أكد عليه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مؤخراً. وبالأمس فقط، قدم المفوض السامي لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين إحاطة هامة لمجلس الأمن حول آخر التطورات المسجلة على الصعيد الإنساني، وأقتبس من هذه الإحاطة بعض العبارات التي تحمل الكثير من الدلالات:

– الاقتباس الأول: “إن مستوى الدمار لم يسبق له مثيل، والمأساة الإنسانية التي تتكشف تحت أعيننا لا تطاق”.

– الاقتباس الثاني: “الجوع واليأس في غزة يتحولان إلى غضب جارف ضد المجموعة الدولية”

– الاقتباس الثالث: “لا يوجد مكان آمن في غزة”.

– الاقتباس الرابع: “شعب بأكمله يتم تجريده من إنسانيته”. أنهي الاقتباس وأضع سطراً تحت هذه الجملة الأخيرة التي تصور فعلياً هول المشهد الماثل أمامنا اليوم.

10- وعلى الصعيد الدبلوماسي: تواصل الجزائر مساعيها الحثيثة إقليميا ودوليا لدعم المطالب المستعجلة التي يفرضها الوضع الراهن، والتي تتعلق:

– أولا، بفك الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من ستة عشر عاماً،

– ثانياً، بوقف القصف العشوائي الذي راح ضحيته آلاف الأرواح البريئة

– ثالثاً، بوقف التهجير القسري للسكان

– ورابعاً، بالسماح بإغاثة أهل غزة دون قيود أو شروط.

11- كما شددت الجزائر في جميع الاجتماعات التي شاركت فيها، سواء على مستوى جامعة الدول العربية، أو على مستوى الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن والجمعية العامة، على حتمية معالجة الأسباب الجذرية للصراع برمته، عبر إحياء مسار السلام في الشرق الأوسط والعمل على إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية وتمكين إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف.

12- وفي ذات السياق، تحذر الجزائر ولا تزال من مغبة مواصلة الرهان على الأسوأ، عبر إطفاء شعلة الأمل لدى الشعب الفلسطيني الذي لا تعرف أجياله الحديثة أي شيء عن مسار السلام. فآخر مبادرة للتسوية السلمية تعود لسنة 1998، ومنذ ذلك الحين لم تشهد القضية الفلسطينية أي اهتمام دولي في صورة تحرك يهدف لتحسين أوضاع الشعب الفلسطيني وتمكينه من استرجاع حقوقه كاملة غير منقوصة.

13- وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، منذ أربعة أيام، قراراً يدعو لهدنة إنسانية فورية ويتضمن حداً أدنى من الالتزامات للاستجابة للوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة. غير أن المسؤولية، مسؤولية وقف العدوان الإسرائيلي، ومسؤولية وضع حد لتجبره وتسلطه وطغيانه، ومسؤولية ضمان الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، تقع كاملة على عاتق مجلس الأمن الذي لا يمكنه، بأي حال من الأحوال، وتحت أي ظرف من الظروف، التنصل منها ومن تبعات عجزه عن التحرك لإنهاء هذا الظلم التاريخي الذي طال أمده بحق الشعب الفلسطيني.

14- ومن هذا المنظور، وبصفته صانع القرار السياسي الخارجي والمشرف الأول على تنفيذه، فإن رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، قد حدَّد وشخَّص بدقة وصرامة روافد موقف بلادنا من الحل العادل والشامل والدائم للصراع العربي الإسرائيلي:

– الرافد الأول يتمثل في الاستجابة الفعلية والجادة للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني،

– ويتمثل الرافد الثاني في توحيد الصف الفلسطيني بغية تعزيز موقعه في الأطر الدولية الهادفة لإحلال السلام في الشرق الأوسط وتقوية نفوذه وتأثيره فيها، وكذا إعطاء صلابة أكبر لمرافعاته لصالح مشروعه الوطني ولمطالباته بحقوقه المشروعة.

– ويتمثل الرافد الثالث في ضمان حماية دولية مستعجلة للشعب الفلسطيني في وجه خروقات وتجاوزات الاحتلال الإسرائيلي،

– ويتمثل الرافد الرابع في إقدام الجمعية العامة على منح عضوية كاملة لدولة فلسطين ممهِّدة بذلك الطريق للحل المبني على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة وسيّدة،

– ويتمثل الرافد الخامس في إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط على أساس المبادرة العربية المتبناة في قمة بيروت سنة 2002،

– ويتمثل الرافد السادس في تتويج أي عملية سلام بإقامة دولة فلسطينية على حدود جوان 1967 وعاصمتها القدس الشريف.

– فقناعتنا تبقى راسخة، من أن الوضع الراهن أخطر بكثير من أن يتم التعامل معه دون معالجة التراكمات التاريخية التي أدت إلى تكرار ظهوره عشرات المرات طيلة العقود الماضية،

– وقناعتنا تبقى راسخة، من أن السلام الدائم والمستدام في الشرق الأوسط، لا يمكن أن يتحقق طالما استمر المجتمع الدولي في تجاهل تطلعات الفلسطينيين الشرعية والمشروعة لتحرير أراضيهم المحتلة وإقامة دولتهم المستقلة،

– وقناعتنا تبقى راسخة، من أنه ما من قوة، وما من جبروت يمكن أن ينال من عزيمة الشعب الفلسطيني في استرجاع حقوقه المسلوبة، عزيمة توارثتها أجيال ولدت من رحم المعاناة، وعزيمة صقلتها ورسختها محن الاحتلال، وعزيمة تظل شعلة متقدة تأبى الانطفاء والأفول.

شكراً، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

Let's talk

If you want to get a free consultation without any obligations, fill in the form below and we'll get in touch with you.