كلمة معالي وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، السيد أحمد عطاف بمناسبة الاحتفال بيوم افريقيا 2023

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على نبيه الأمين

صاحبة السعادة عميدة السلك الدبلوماسي بالجزائر،

صاحبات السعادة السفيرات وأصحاب السعادة السفراء،

أصحاب السعادة رؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى الجزائر،

السيدات والسادة الحضور،

الجمع الكريم،

نلتقي اليوم في الذكرى الستين لميلاد منظمة الوحدة الافريقية، لنجدد العهد مع الآباء المؤسسين لها بالحفاظ على إرثهم الثمين وما يزخر به من قيم مثلى وتعهدات ثابتة والتزامات راسخة لتحقيق أهداف التحرر الكامل والأمن المستدام والرخاء المشترك في سائر ربوع إفريقيا.

نلتقي اليوم لنحتفل بمرور ستين عاما على هذه الذكرى الغالية، ستون عاما عرف خلالها مشروعنا الوحدوي والحضاري تقدما ملحوظا بفضل جهود أجيال متعاقبة من الرواد المخلصين الذين آمنوا أن لا حلم لإفريقيا إلا وهو وليد مخيالها؛ وأن لا مصير لإفريقيا إلا من تدبيرها؛ وأن لا مشروع لإفريقيا إلا من تخطيطها وإنجازها؛ وأن لا طريق قويم تسلكه إفريقيا إلا ذلك الذي تشقه وتعبده سواعد بناتها وأبنائها.

ونلتقي اليوم في وقفة تأمل وتقييم واستبطان، ننظر فيها لما مضى لا من منطق الحسرة أو الأسف على ما فاتنا أو فوت علينا، وإنما للاتعاض من تجارب الماضي والاحتكام إلى دروسه وعبره وتعاليمه للاقتداء بها من أجل تحقيق وثبة افريقية شاملة ترتقي من خلالها قارتنا إلى أعلى المراتب اللائقة بها في محفل الأمم كموطن بارز من مواطن صنع القرارات الدولية.

ونحن نحتفي اليوم بإنجازاتنا المشتركة في مجالات نشر السلم والأمن وتعزيز الاندماج الاقتصادي في سياق تفعيل منطقة التجارة الحرة الافريقية القارية التي تشكل موضوع الدورة الحالية للاتحاد الافريقي، يجدر بنا ألا ننسى أن أخواتٍ وإخواناً لنا في آخر مستعمرة إفريقية، في الصحراء الغربية تحديدا، ينتظرون منا الدعم والمساندة لممارسة حقهم غير القابل للتصرف أو التقادم في تقرير المصير. إذاك وإذاك فقط، يمكن لإفريقيا أن تطوي بصفة نهائية آخر صفحة من تاريخ الاستعمار المقيت والاحتلال المشين والنهب المخزي لثرواتها.

إن الشعب الصحراوي التواق إلى التحرر والانعتاق، شأنه في ذلك شأن الشعوب الافريقية الأخرى التي سبقته في نيل حريتها واستقلالها، يستنجد بنا ولا يحق لنا تجاهل استنجاده، وهو شعب يطالب بالإنصاف ولا يحق لنا رفض انصافه، وهو شعب يطالب بمده بيد تسعفه في رفع الظلم والغبن والهيمنة عنه ولا يحق لنا التخلف عن استعانته بنا.

لكل أجل كتاب، وفي كتاب الشعب الصحراوي إرادة لا تقهر وحق لا يدحر وحلم لا ينكر.

كما لا يجدر بنا أن نغفل عن معاناة إخواننا وأخواتنا في السودان من جراء الأزمة المستعرة في هذا البلد الشقيق منذ أكثر من شهر، أزمة تسببت في زهق المئات من أرواح الأبرياء، ونزوح مئات الآلاف من المدنيين العزل، فضلا عن بوادر كارثة إنسانية محدقة، وما يلوح في الأفق المظلم من خطر تقسيم آخر للسودان لا قدر الله. في ظل هذا المشهد القاتم، تدعو الجزائر لمضاعفة الجهود وتنسيق المساعي بين جميع الفاعلين الدوليين والإقليميين من أجل إخراج السودان الشقيق من دوامة العنف والانقسام والاقتتال التي ألمت به وابتلته شر البلية.

أيها الجمع الكريم،

إن الجزائر الفخورة بانتمائها الافريقي المتأصل والمتمسكة بالنهج القاري الوحدوي، تضم اليوم صوتها لأصوات أشقائها من دول القارة، لتجدد التزامها وتمسكها بمبادئ وأهداف الاتحاد الافريقي في مواجهة التحديات متعددة الأبعاد والأشكال التي لا تزال تهدد أمن واستقرار دولنا وشعوبنا وتقوض مساعينا الرامية لتحقيق التنمية المستدامة والرفاه المشروع.

ومثلما ساهمت بالأمس، بكل وفاء وإخلاص، في مسيرة التحرر وإنهاء الاستعمار في ربوع قارتنا، وكما سجلت حضورها المميز عبر جميع محطات العمل الافريقي المشترك، تؤكد الجزائر اليوم، تحت قيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، أنها ستظل طرفا فاعلا وجزءً لا يتجزأ من الجهد الافريقي الجماعي الرامي لكسب رهانات التنمية الاقتصادية وتحقيق الرؤية الطموحة التي رسمنا معالمها معاً ضمن أجندة الاتحاد الافريقي، المعروفة بأجندة 2063.

إن هذه الرؤية التي تبنتها الجزائر بصفة كلية، قد وُضِعت في صلب التوجه الجديد الذي أضفاه السيد رئيس الجمهورية على البعد الإفريقي للسياسة الخارجية الجزائرية، توجهٌ يرتكز على قناعة راسخة بضرورة وحتمية تفعيل العلاقة الترابطية الوثيقة بين التنمية والأمن لتخليص قارتنا من ويلات النزاعات المسلحة وتمكينها من مواجهة مختلف التحديات العابرة للحدود والأوطان.

وهو ما تسعى بلادي حاليا لتجسيده عبر مشاريع تنموية تم إقرارها لفائدة العديد من الدول الإفريقية الشقيقة، والتي تُشرف على إنجازها الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، بعد أن قام السيد رئيس الجمهورية بتعزيز ميزانيتها بغلاف مالي قدره مليار دولار أمريكي.

كما تعمل بلادي على تجسيد هذا التوجه عبر تعبئة الموارد وحشد الطاقات لاستكمال إنجاز المشاريع المهيكلة ذات الطابع الاندماجي الإقليمي والقاري، على غرار مشروع الطريق العابر للصحراء، وخط أنابيب الغاز لاغوس-الجزائر، وشبكة الألياف البصرية العابرة للصحراء، فضلا عن مشروع الطريق الرابط بين مدينتي تندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية.

في هذا السياق، أود أن أؤكد أن توجه الجزائر لتعزيز مساهماتها في مجال التنمية الاقتصادية بغية تحقيق الرخاء المشترك، يأتي استكمالاً ودعماً للجهود التي ما فتأت تبذلها بلادي لحل النزاعات المسلحة من أجل استتباب الأمن والاستقرار في جوارها المباشر وفي جميع أنحاء القارة الافريقية.

من هذا المنطلق، وإذ تواصل جهودها على رأس الوساطة الدولية للدفع بمسار السلم والمصالحة في جمهورية مالي الشقيقة، تحيي بلادي تمسك الأطراف المالية باتفاق الجزائر وانخراطها الجدي في المساعي التي بادرت بها الجزائر في الآونة الأخيرة لتجاوز الصعوبات الراهنة وضمان الاستئناف السريع للمسعى السياسي الرامي إلى استكمال تنفيذ الاتفاق خدمة لوحدة وأمن واستقرار هذا البلد الشقيق.

وفي مواجهة التحديات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء، أود التذكير بالـمبادرة التي تقدمت بها الجزائر بهدف تفعيل وتنشيط دور لجنة الأركان العملياتية الـمشتركة (CEMOC) في مكافحة ظاهرتي الإرهاب والجريمة الدولية المنظمة، والتي، بامتداد رقعتها الجغرافية وتزايد حدتها وتشعب مكوناتها، أضحت تشكل التهديد الرئيسي لأمن واستقرار ونماء المنطقة خاصة والقارة عامة.

أيها الجمع الكريم،

يحل علينا يوم إفريقيا، هذا العام، في ظرف دولي مثقل بالتحديات جراء التوترات المتزايدة في العالم وما تحمله هذه التطورات في طياتها من بوادر إعادة تشكيل موازين القوى على الساحة الدولية، ومن تقلبات سريعة ومتسارعة داخل منظومة العلاقات الدولية القائمة.

إن هذه الأوضاع الاستثنائية، وعلى الرغم مما أفرزته من تداعيات، إلا أنها تمنحنا فرصة ثمينة نحو الإسهام في إصلاح مواطن الضعف الهيكلية للنظام الدولي القائم راهنا، مع تركيز الجهود بصفة خاصة على حتمية معالجة التهميش المجحف الذي تتعرض له قارتنا منذ ما يقرب ثمانية عقود من الزمن.

وليس لنا من سبيل لتحقيق هدف كهذا، إلا رص صفوفنا وتوحيد كلمتنا حتى نتمكن من توظيف ثقل قارتنا وإسماع صوتها في مختلف المحافل الدولية، وتكريس تطلعات دولنا في التعامل والتفاعل مع سائر الدول الأخرى على أسس السيادة المتساوية والأمن المتكافئ وتوازن المصالح والترابط المنصف.

إن الجزائر بلد سلم وسلام؛ بلد متعطش للحرية؛ بلد يجنح للمساواة؛ بلد تواق للعدل والانصاف؛ هذه هي المبادئ وهذه هي المثل وهذه هي القيم التي تريد بلادي الاسهام في جعلها شعلاتٍ تنير سبيل منظومة علاقات دولية يكون للأمن الجماعي فيها معنى، وللتعاون الدولي صدى، وللترابط الأصيل مغزى وأثر.

مستلهمة من هذه المبادئ والمثل والقيم، ومستنيرة بسجلها الحافل بالوفاء بالتزاماتها في نشر وترقية السلم والأمن والتنمية والتكامل وفي الدفاع عن قضايا وأولويات قارتنا في مختلف المجالات، تتأهب الجزائر للمشاركة بترشيحها للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن للفترة 2024-2025، في الانتخابات المزمع عقدها يوم السادس (06) جوان المقبل بالجمعية العامة للأمم المتحدة.

ومثلما سبق وأن أكد السيد رئيس الجمهورية، فإن ترشيح الجزائر لهذا المنصب الهام، يندرج في إطار تجسيد التزامها بالمساهمة كفاعل مؤثر في مواجهة التحديات الدولية، وذلك من خلال طرح الأفكار والمبادرات التي من شأنها تعزيز دور العمل متعدد الأطراف في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وكذا في بعث التعاون الدولي ومده بسبل الاستجابة لحاجيات وتطلعات البشرية جمعاء.

ونحن بصدد الحديث عن مجلس الأمن، لا يسعنا إلا أن نذكر بالظلم التاريخي الذي طال أمده بحق قارتنا التي تظل وحدها المغيبة لحد اليوم في فئة المقاعد الدائمة والأقل تمثيلا في فئة المقاعد غير الدائمة في ذات المجلس. ولتدارك ما أمكن مما ينجر عن النقص الفادح في التمثيل الافريقي داخل مجلس الأمن، تتعهد الجزائر بمواصلة الاسهام في توحيد كلمة افريقيا وصفها داخل هذه الهيئة لضمان طرح أقوى ودفاع أنجع وحماية أكثر فعالية لمصالح قارتنا وتطلعاتها وطموحاتها المشروعة.

في إطار سعينا لتحقيق هذه الغاية، وإذ نجدد التعبير عن عميق امتناننا لكل من الاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي على تصديقهم وتزكيتهم لترشيح الجزائر، فإننا نتطلع إلى دعم جميع الدول الشقيقة والصديقة للاضطلاع بهذه العهدة القارية بكل ما تقتضيه من وفاء والتزام وتفان وإخلاص. وشعارنا في ذلك “معا لإعلاء مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة من أجل مستقبل أفضل للجميع”.

وأختتم مداخلتي بالتذكير بهذا الشعار الذي جعل منه بلدي عنوانا لترشيحه لعضوية مجلس الأمن ودليلا لمرامي ومقاصد ترشحه هذا، متطلعا لنيل دعمكم لأن في كل بلد من بلدانكم الصديقة والشقيقة خير العون وخير السند.

كل عام وإفريقيا بألف خير،

كل عام وإفريقيا تواصل مسيرتها بحزم وثبات على نهج الآباء المؤسسين نحو تحقيق الأمن والاستقرار والتكامل والوحدة،

كل عام وإفريقيا تعزز دورها وتأثيرها على الساحة الدولية لتنير الدرب نحو غد أفضل يضمن الأمن والرخاء للجميع دون إقصاء أو تمييز أو تهميش.

شكراً لكم جميعا على كرم الإصغاء وطيب المتابعة

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

Let's talk

If you want to get a free consultation without any obligations, fill in the form below and we'll get in touch with you.